الاثنين، 29 سبتمبر 2008

حوار في جريدة القبس حول مجموعة سكر نبات


الكتاب الأول هو الحب الأول للكاتب وعلى رغم ما قد يحتويه من عثرات، فإنه يبقى تجربة فريدة وذكرى ذات سحر خاص، في هذه الزاوية نستعيد هذه التجربة التي لا تنسى في حياة الكاتب بكل بساطتها وبراءتها وجنونها وعثراتها.
هويدا صالح دخلت إلى عالم الكتابة والإبداع عبر القصة القصيرة في مجموعتها الأولى «سكر نبات» التي صدرت عن الهيئة العامة لقصور الثقافة (سلسلة «إبداعات») عام 1996 تراوحت بين الحنين للمكان الذي نشأت فيه والخوف من المكان الذي انتقلت إليه.تقول وهي تسترجع لحظات ما بعد الكتاب الأول : فرحت فرحة شديدة لكنني مع هذه السعادة التي أستعيدها اعرف أن فيها عيوبا وسذاجة البدايات، ولو يعود الزمن كنت سأكتب قصصى بطريقة مختلفة.في «سكر نبات» براءة التكوين الإبداعي الأول، وأهمية أن تكتب ذاتك فقط، لكن بها قدراً عالياً من التجريب في اللغة التي تقترب من قصيدة النثر.لكن صالح تؤكد أن ما يبقى من الكتابة - وهو ما لم تحققه في قصصها الأولى – الشخصيات التي من لحم ودم، مثلما قدمه نجيب محفوظ في «حديث الصباح والمساء» وأعماله الأخرى.وتضيف أن مجموعتها الأولى علمتها أن الكتابة ليست فانتازيا، وإنما بشر حقيقيون من لحم ودم، ولعل ما أوقعها في التجريب اللغوي كما تقول ان الكتابة القصصية السائدة وقتها كانت تعتمد على هذا التجريب،لكن استعراض العضلات في اللغة ليس رهان الكتابة الأولى.وتواصل صالح: في أعمالى التالية تعلمت أن أكتب أفكاري ورؤيتي وعلاقاتي ولحظاتي وأشيائي الأليفة، وليس ذاتي فقط، وقد أصدرت رواية «عمرة الدار» عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، وكتبت «عشق البنات» التي سحبتها من ترشيحها للنشر بدار الهلال بعد انتظار 3سنوات.وتحكي صالح أن «سكر نبات» أتاحت لها للمرة الأولى فكرة الاحتكاك المباشر مع المبدعين والقراء الذين حاوروها في منتديات مختلفة.وتضيف الكاتبة أن أكثر شيء أسعدها أنها وجدت مقالا عن مجموعتها الأولى منشورا على شبكة الانترنت لا تعرف صاحبه معرفة شخصية بعنوان «شهرزاد الجنوب» وهو يكشف عن تواصل صاحبه مع المجموعة، كما أنها وجدت قصصاً منشورة لها من المجموعة الأولى على النت في فترات سابقة على معرفتها بكيفية التعامل مع الكمبيوتر.
شادي صلاح الدين
جريدة القبس بتاريخ 5 أغسطس 2008

الخميس، 25 سبتمبر 2008

طقس صباحي ونورس وحيد

طقس صباحي ونورس وحيد
انفلتت من عتمة الليل إلي البحر الذي استطال باتساع المدي.. غاصت بقدميها في رماله اللينة ... ضوء الفجر يصنع غلالة رقيقة تأتي علي استحياء .... تبدد خيوط الظلمة التي تشابكت ... تلفتت خلفها ... الشاطئ مازال خاليا إلا منها وبضع طيور بيضاء أغراها ضوء الفجر فجاءت تنقر في رمل الشاطئ .. تبحث في بقايا الأطعمة التي خلفها الناس .. أمسكت بقبضة من الرمال وضغطت عليها .. انسابت من بين أصابعها .. تشعر بضيق وشوق يضغطان علي قلبها ... رغم كثرة العمل وضغوطه إلا أنها لا تستطيع أن تغيب صورتها عن ذهنه .. دوما حين تشعر بالوحشة تأتي إلي هنا .. تختار لحظة الفجر لتشم رائحته التي اختلطت يوما برائحة البحر .. كان آخر وداع لهما أمام هذه البقعة من الشاطئ .. ( أمانة يا بحر تستلم الأمانة ,, أحبابنا يا بحر في عيونك أمانة ) .. لم يتحمل ضغوط أمه عليه .. أراد طفلا .. ولم يستطع رحمها أن يحمله ... ردد لها دوما أنه يريد طفلا يربطه بها وبالحياة هنا ... ووضعت جسدها كثيرا تحت أيدي الأطباء الذي أكدوا في كل مرة أنه لا يوجد عيب جسدي يمنعها من الحمل .. فقط جملة وحيدة يقولها كل طبيب يكون متحمسا حين تذهب إليه .. جملة وحيدة تتردد باختلاف الأطباء .. ليس هناك توافق بينكما .. ولا يفهم عقلها الصغير كيف لا يكون هناك توافق وقد امتزجا روحا وعقلا منذ طفولتهما .. لقد تربيا سويا يوما بيوم ... ورغم أن خالتها تحبها إلا أنها لم تغفر لها يوما أنها حرمت ابنها من طفل يناديه أبي .. أمام ضغط أمه ودعها بجانب البحر الذي عشقاه سويا وسافر إلي هناك .. لا تعرف عما يبحث ومما يهرب .. فقط تعرف أنها لم تستطع أبدا أن يمر الصباح دون انتظاره ... كل صباح تأتي إلي هنا قبل الذهاب إلي الصغار في المدرسة .... المكان مازال خاليا إلا من صوتها الذي يتمازج مع ارتطام المياه بالشاطئ المستكين .. تلتقط قوقعة صغيرة وتلقي بها في سلتها .. تلاميذها يفرحون بهذه القواقع .. يلونونها ويعملون منها عقودا وأشكالا جميلة ... تتذكر عراكهم وأصواتهم الصغيرة وهم يتخطفون قواقعها .. وتبتسم .. جلست بجانب الصخرة التي أودعاها أسرارهما .. برودتها تتسلل إلي أوصالها .. وتسري في أوردتها .. ضغطت ظهرها إليها وبدأت تشكل في فضاء ذاكرتها لحظات عاشتها معه .. نورس وحيد ينفصل عن سربه ويقترب منها .. تلاشي فضاء التذكر وانتبهت للطائر الأبيض الذي يرقص رقصة دائرية قبل أن يغمس جسده في مياه البحر ... ينفض المياه عن الجسد الأبيض ويطير .. سارت إلي السور الذي يلف الميناء .. جلست بجانبه ترقب النورس الوحيد وتضغط علي قبضات الرمال التي فقدت ليونتها ... كورت أمنياتها بعودة الغائب وأخفتها بين منقاري النورس الراقص في الهواء .. تنظر في ساعة يدها .. اقترب موعد الصغار الذين لم تعد تجد بهجتها إلا بينهم ... تلملم القواقع وتعود .. تردد في مرح بعد أن غسلت همهما وضيقها بطقسها الصباحي هذا ( أمانة يا موج تكتب علي الشراع ) .